02‏/10‏/2012

حقيقة خوف الجن من الذئاب


 مما أثار طرحي لهذا المقال هو سؤال طرحه علي مشكوراً أحد زوار صفحة التواصل الإجتماعي  (فيسبوك ) في رسالة خاصة يقول فيها : " هل تخاف الجن من الذئاب ؟ "

فأجبته أن هذه أسطورة تناقلتها الذاكرة الشعبي في كثير من الدول وخاصة العربية والمسلمة منها ولكن لا يعرف على وجه التحديد أصل لها ، حيث ترى الأسطورة أن في الذئب أمراً يذعر منه الجن ، والجن في الأصل كائن خفي و متحول شكلياً بحسب المعتقد الإسلامي وقد ذكر في عدة مواضع أنه قادر على اتخاذ هيئة الإنسان وحيوانات عدة منها الكلب والأفعى والقطة والحشرات حيث تتفق في معظم الأحيان بأنها هيئة مظلمة سوداء أو غير مريحة بغض النظر عن الشكل ، ولو توفرت لنا الوسائل والمعرفة العلمية اللازمة لاختبار هذه الأسطورة لوثقنا بها أكثر بدلاً من أن نصدق مجرد مزاعم  .  ( إقرأ هنا عن صلة هذه الأسطورة بأسطور أخرى عن القوى السحرية وتشكل الأحجار الكريمة ).

ولكن السؤال حفزني على التفكير في شكل هذه التجربة والأدوات اللازمة فكاان هذا المقال.

تجربة لإختبار صدق الأسطورة

لو كان في العالم العربي نسخة محلية عن برنامج مكافحي الأساطير MythBusters بحيث تختبر أسطورة الذئب والجن الآنفة الذكر لما بخلت في طرح التجربة التالية عليهم للقيام بها وربما يقوم بها باحثون عرب أو فريق بحث تابع لموقع ما وراء الطبيعة في يوم من الأيام :

إن الهدف من هذه التجربة والتي ربما تكون بمقاييس شبه علمية هو إختبار مصداقية هذه الأسطورة بلغة العلم الذي قد يكشف صواب أو زيف الكثير من المعتقدات المتوارثة أحياناً ، فليس لنا وسيلة إلا العلم حالياً ، ويمكن وصف التجربة من خلال القيام بالخطوات التالية :

1- نعلق جهازاً في الغرفة 1 يرسل نتائجه إلى غرفة 3 بهدف رصد حضور الجن في المكان بحيث أن بإمكان الجهاز إظهار إشارة قوية تكون بمثابة دليل على حضور الجن أو إزدياد نشاطه في الغرفة وعندما يظهر على الجهاز إشارة ضعيفة يعني ذلك إنخفاض نشاط الجن أو فراره من الغرفة (هكذا نفهم الذعر الناجم عن وجود ذئب في الغرفة ) ، أي أن الجهاز بمثابة رادار Ghost Radar وقد يكون هذا الجهاز عبارة عن مقياس للحقول الكهرومغناطيسية والحرارة والأشعة تحت الحمراء في المكان حيث تدل التغيرات الشاذة على وجود نشاط ماورائي (إقرأ عن:  علامات المكان المسكون) وذلك بحسب مزاعم فرق التحقيق في الظواهر الغامضة أو من يسمون أنفسهم بـ " صائدي الأشباح" Ghost Hunters ، ومن ثم نقيس مستويات الإشارة الطبيعية (قبل حضور الجن) .

2- نضع في الغرفة 1 قطعاً من اللحم والعظم (الإثارة الجن والذئب في آن معاً)، يثير اللحم الذئب لانه حيوان لاحم ، ويثير اللحم والعظم الجن لأنه من الأمور التي يغذى عليها بحسب المعتقد الإسلامي وبعض الأحاديث. ولهذه الغرفة بابان ، الأول متصل بغرفة 3 وهي غرفة التحكم بالتجربة وتتصل الغرفة 1 أيضاً بممر طويل مع الغرفة 2.

3- نضع الذئب في الغرفة 2 حيث تكون مغلقة ببوابة قابلة للفتح عن بعد وتتصل مع الغرفة 1 بممر طويل ويفضل أن تكون الغرفة 2 بعيدة عن الغرفة الأولى وربما معزولة صوتياً ورائحة عن الغرفة1 .

4- نستمر في متابعة وتسجيل نشاط أجهزة رصد الجن ومراقبة تغيرات المؤشرات ، وأثناء ذلك نوكل مهمة لشخص يزعم أنه قادر على استدعاء الجن (إستحضار أرواح ) إلى داخل الغرفة 1 بحيث يستدرج الجن أو يغويها بطريقة ما لتكون في الغرفة الأولى، ويجب إغفال موضوع الذئب عن هذا الشخص حرصاً على سلامةالنتائج المترقبة منها.

5- إذا نجح الشخص المذكور في إستحضار الجن عندئذ ستتغير مؤشرات أجهزة رصد الجن لتدل على نشاط متزايد نسجله ، وعند هذه اللحظة ، نفتح الباب للشخص ليخرج من الغرفة 1 (حرصاً على سلامته ) إلى غرفة 3 ثم نغلق باب الغرفة 1 ، وثم نفتح للذئب البوابة عن بعد وحاسة شمه ستجذبه إلى قطعة اللحم الموجودة في الغرفة 1 ، فيمشي في الممر وينتقل إلى الغرفة 1.

6- نراقب تغيرات نشاط أجهزة رصد الجن فإذا وجدنا أن مستويات النشاط تنخفض بشكل كبير لدى دخول الذئب (على إفتراض أن الجن سيهرب بحسب الأسطورة وبالتالي سينخفض ننشاطه المرصود في الأجهزة ) عندئذ يمكن لنا أن نتأكد من أن الأسطورة صحيحة tفي حال أعطت نفس النتيجة بعد التكرار وتغيير ظروف التجربة وإجراء تنويعات عليها ذكرتها في الأسفل ، والتكرار يرسخ مفهوم العلم لأن العلوم في النهاية مجموعة من القوانين الطبيعية ، وفي حال كانت النتائج سلبية مع التكرار فإن الأسطورة تتحول إلى مجرد خرافة أو أكذوبة في نظر العلم.

هل البند رقم 6  إستنتاج سليم وكاف  ؟ الجواب هو : لا ، فلكي تكون التجربة علمية حقاً علينا أن نتأكد من صحة وإثبات  أمرين قبل القيام بها وهي :

أ- أن تقوم أجهزة رصد الجن فعلاً برصد "نشاط الجن" ، والجن أصلاً معتقد وليس علم (على الأقل الآن) فكيف لنا أن نفسره "نشاطه" مادياً ؟ وهل تصلح أصلاً هذه الأجهزة المستندة التي تستخدم عادة لقياس النشاطات الماورائية (تغيرات في الحقول المغناطيسية ، الحرارة ، وغيرها) في الأماكن التي توصف بأنها "مسكونة"، وإذا صلحت على الأماكن المسكونة هل تصلح أيضاً على فكرة "إستحضار الجن" المزعومة ؟

ولا ننسى أن أمور الجن والشياطين والأشباح تغالباً ما تفسر على أنها من صنع العقل أو من أثره في الأجهزة (من أثر الشخص الذي استحضر الجن).

ب- أن لا يشوش دخول الذئب في الغرفة الأولى على قياسات أجهزة رصد الجن ( الحقول المغناطيسية والأشعة تحت الحمراء وغيرها ) أو يشوش عليها الشخص الذي زعم أنه استحضر الجن.


تنويعات في التجربة
يمكن أن نقوم بتجارب مشابهة للتجربة المذكورة أعلاه بحيث نستبدل الشخص الذي يستحضر الجن بـ :

تجربة 1- شخص يزعم أنه ممسوس أو متلبس من قبل الجن أو الشياطين، ولكن للحفاظ على سلامته من الذئب نضعه في قفص حديدي في الغرفة الأولى، وهنا سيتبادر إلينا سؤال آخر : " هل سيصدر عن الشخص الممسوس نشاطاً متزايداً في أجهزة رصد الجن إذا ما قورن بشخص غير ممسوس ؟ "

تجربة 2 -   مكان" مسكون" أي  نجري التجربة في مكان يزعم بأنه "مسكون" أصلاً بالارواح أو الجن بحيث أن له نشاط زائد في أجهزة رصد الجن. وسنتبين من صدق الأسطورة عندما يخف النشاط لدى وجود الذئب ، ولكن هل سيشوش وجود الذئب على قياسات أجهزة الرصد وبالتالي تصبح التجربة لا قيمة لها أم ماذا ؟

لماذا يصيح الديك وينهق الحمار ؟
في حال وصلنا إلى صنع أجهزة ترصد بالفعل هذه الكيانات (جن ، أرواح) فإن ذلك يتطلب خطوة تسبقها وهي البرهان العلمي على تدخل قوى خارجية وذكية في العقل البشري ولحد يومنا هذا لم نتوصل إليه وهي مجرد فرضية لا إثبات لها .

ولو فرضنا إمكانية قياس نشاط تلك الكيانات (ملائكة ، شياطين ، جن ، أشباح ، أرواح ..الخ) لطبقنا تجارب بهدف التحقق من معتقدات أخرى (أساطير بالنسبة للبعض ) وهي :
" الديك يصيح لدى سماعه أو مشاهدته للملائكة ".
" الحمار ينهق لدى سماعه أو مشاهدته للشيطان " .
" الملح أو الثوم يطرد الشياطين " ...الخ

ومع أن بعض الباحثين رجح أن يكون للملائكة نشاط إشعاعي يتمثل في تغيرات في للأشعة ما فوق البنفسجية الغير مرئية وأن للشياطين( ومنهم بعض الجن) نشاط إشعاعي يتمثل في تغيرات في مستويات الأشعة تحت الحمراء إلا أنها بقيت مجرد تكهنات لم تثبتها شروط التجربة في المختبرات العلمية لذلك لا يمكن أن نفترض صحتها من الناحية العلمية ولكن من الناحية المعتقدية ليختر كل شخص ما يشاء .

ومع ذلك هناك أسباب كثيرة تدعو الديك للصياح والحمار للنهيق مثلها في ذلك مثل الكثير من الكائنات الحية التي تتفاعل فيما بينها ربما لتعلم الحيوانات الأخرى عن مناطق نفوذها أو لإجراء طقوس الإقتران أو لأسباب أخرى نعلمها أو نجهلها وهي جملة أسباب طبيعية مفيدة لبقاء وحياة هذه الكائنات وليس لها صلة بتدخل كيانات خارجية مزعومة.

وأخيراً ... أوجه نصيحة إلى القراء بضرورة قراءة الأساطير ومحاولة فهمها لأنها قد تعكس نمط تفكير أو أسلوب حياة أو قد يكون سببها في المجتمع لغاية دينية أو إجتماعية وأخلاقية أو ولكن في نفس الوقت ينبغي علينا عدم تبنيها أو النظر إليها كواقع أو حقيقة  إلا بعد أن نختبرها بمنظور معارفنا الحالية التي وصلتنا في حقبة شهدت تفجر العلوم في حياة البشر ولم يعهدوها في زمن سابق، ولنرسخ منهج الشك حتى تتبين لنا النتيجة في تجربة خاضعة للشروط العلمية السليمة .