دخل العيد يومه الثالث، ولم يأتِ زوجها على ذكر لأهلها لا بتهنئتهم ولا زيارتهم.. جلست ترقبه من طرف خفيّ.. كانا قد عادا من زيارة لأهله هي الثالثة في هذه الأيام.. تنهدت بحرقة، وجالت في عينيها دمعة تريد أن تجد لها إلى خدها سبيلاً فتمنعها بحكم فرح عيدي ينبغي أن تتظاهر به.
فمنذ أن علا صوت تكبير المساجد لصلاة العيد وقلبها يتلهف لرؤية بيت تربّت بين جنباته.. كانت صغيرةَ عائلتِها، تعيش معهم كأحسن ما يمكن العيش، كيف لا؟! وقد تزوج إخوتها جميعاً فما بقي إلاّ “آخر العنقود”، ذا يهديها، وذاك يحذيها، وهذا يسافر بها..!! فلما آن لآخر العنقود أن يكوِّن عنقوداً جديداً.. فوجئت من الأشهر الأولى للزواج بكره خفي من زوجها لأهلها، لا تدري له سبباً، ولا تجد له داعياً، فإن أرادت زيارتهم فينبغي أن تقدم مقدمات وممهدات طويلات عريضات، ثم تجد نفسها بعد ذلك في تحقيق: لم؟ وماذا؟ ما الداعي؟ ما الضرورة؟
كم مرة حاولت أن تستكنه مكنون نفسه، وتستنطق جملة أفعاله لتصل إلى سبب مقنع لذاك الكره الذي تتلمسه في سلوكه فلم تحظَ بشيء مما هدفت له، حتى إذا تجاوزت التلميح إلى التصريح لقيت منه تهرباً وإنكاراً، فإذا أكثرت عليه، وأغلقت عليه أقطارها، أجابها: ما حاجتك إلى أهلك؟! أهلي أصبحوا أهلك فانسي ماضيك؟!
وردت على قلبها كلمات تمتمت بها: إنه لا يطيق الصبر عن أهله يوماً واحداً، ألست إنسانة أشعر بمثل ما يشعر به؟! ألا يحق لي أن أحنّ إلى أهل حضنوني؟ وماضٍ رسم على صفحة فؤادي؟ أم أن زواج المرأة يعني اقتلاعها من جذورها؟!
نهاية الدلع
كان قد عاد مع زوجته من زيارة لأهله، اعتاد أن يستهل العيد، بل ويثنيه ويثلثه بها؛ فإن لأيام العيد معهم نكهة خاصة، وطعماً مميزاً.
تتداعى إلى ذاكرته صورته وهو طفل لم يشبّ عن الطوق، يتذكر لحظة إثبات هلال شوال وقلبه يكاد يقفز من بين أضلاعه فرحاً بمقدم العيد، يتذكر تقلّبه بين أبيه وأمه؛ إذ كان الفرحة الأولى لهما، بل وحتى الزوار كان له من حبهم نصيب.
لكن فرحه ذاك لم يدم فقد تُوفّي والده، وخلّف له أماً وبُنيّات، وكان لابد من السعي عليهن. اكتست حياته بالجدية، فلم يعد يلقي بالاً لذاك الفرح ولا لتلك المشاعر.
تنبّه إلى زوجته وقد شرقت بدمعة تحاول حبسها بين أجفانها، قلّب النظر في وجهها فهو يعلم تماماً ما الذي يحزنها، إنه الحداء القديم الجديد: أريد أن أرى أهلي!! تنهد متمتماً: بدأت ساعات النكد، ألم يأنِ لهذه المرأة أن تفهم أنها تزوجت، وأن الزواج مسؤولية تتعدى الكلام و”الدلع”.
إنها لم تعد تلك الفتاة المدلّلة التي لا همّ لها في الحياة سوى السوق والمطاعم وآخر صرعات “الفرفشة”، يجب أن تتخلّى عما تربّت عليه في بيت أبيها من “الدلع” الزائد، وأن تستقلّ بذاتها، وتعتمد على نفسها في إدارة حياتها الزوجية، لا أن تتلقى الوصفات من فلانة وفلانة!!
إنه يمنعها من زيارة أهلها لتحقيق مصلحتها ومصلحته؛ إذ إنها لم يحدث أن ذهبت إليهم إلاّ وعادت بوجه غير الذي ذهبت إليه، تريد أن تفرض عليه أنموذجهم في الحياة، ذلك الأنموذج الذي يعني التخلي عن مسؤولية الحياة والانشغال بالتوافه، وهذا ما يرضاه لأسرته أبداً.
فمنذ أن علا صوت تكبير المساجد لصلاة العيد وقلبها يتلهف لرؤية بيت تربّت بين جنباته.. كانت صغيرةَ عائلتِها، تعيش معهم كأحسن ما يمكن العيش، كيف لا؟! وقد تزوج إخوتها جميعاً فما بقي إلاّ “آخر العنقود”، ذا يهديها، وذاك يحذيها، وهذا يسافر بها..!! فلما آن لآخر العنقود أن يكوِّن عنقوداً جديداً.. فوجئت من الأشهر الأولى للزواج بكره خفي من زوجها لأهلها، لا تدري له سبباً، ولا تجد له داعياً، فإن أرادت زيارتهم فينبغي أن تقدم مقدمات وممهدات طويلات عريضات، ثم تجد نفسها بعد ذلك في تحقيق: لم؟ وماذا؟ ما الداعي؟ ما الضرورة؟
كم مرة حاولت أن تستكنه مكنون نفسه، وتستنطق جملة أفعاله لتصل إلى سبب مقنع لذاك الكره الذي تتلمسه في سلوكه فلم تحظَ بشيء مما هدفت له، حتى إذا تجاوزت التلميح إلى التصريح لقيت منه تهرباً وإنكاراً، فإذا أكثرت عليه، وأغلقت عليه أقطارها، أجابها: ما حاجتك إلى أهلك؟! أهلي أصبحوا أهلك فانسي ماضيك؟!
وردت على قلبها كلمات تمتمت بها: إنه لا يطيق الصبر عن أهله يوماً واحداً، ألست إنسانة أشعر بمثل ما يشعر به؟! ألا يحق لي أن أحنّ إلى أهل حضنوني؟ وماضٍ رسم على صفحة فؤادي؟ أم أن زواج المرأة يعني اقتلاعها من جذورها؟!
نهاية الدلع
هو:
كان قد عاد مع زوجته من زيارة لأهله، اعتاد أن يستهل العيد، بل ويثنيه ويثلثه بها؛ فإن لأيام العيد معهم نكهة خاصة، وطعماً مميزاً.
تتداعى إلى ذاكرته صورته وهو طفل لم يشبّ عن الطوق، يتذكر لحظة إثبات هلال شوال وقلبه يكاد يقفز من بين أضلاعه فرحاً بمقدم العيد، يتذكر تقلّبه بين أبيه وأمه؛ إذ كان الفرحة الأولى لهما، بل وحتى الزوار كان له من حبهم نصيب.
لكن فرحه ذاك لم يدم فقد تُوفّي والده، وخلّف له أماً وبُنيّات، وكان لابد من السعي عليهن. اكتست حياته بالجدية، فلم يعد يلقي بالاً لذاك الفرح ولا لتلك المشاعر.
تنبّه إلى زوجته وقد شرقت بدمعة تحاول حبسها بين أجفانها، قلّب النظر في وجهها فهو يعلم تماماً ما الذي يحزنها، إنه الحداء القديم الجديد: أريد أن أرى أهلي!! تنهد متمتماً: بدأت ساعات النكد، ألم يأنِ لهذه المرأة أن تفهم أنها تزوجت، وأن الزواج مسؤولية تتعدى الكلام و”الدلع”.
إنها لم تعد تلك الفتاة المدلّلة التي لا همّ لها في الحياة سوى السوق والمطاعم وآخر صرعات “الفرفشة”، يجب أن تتخلّى عما تربّت عليه في بيت أبيها من “الدلع” الزائد، وأن تستقلّ بذاتها، وتعتمد على نفسها في إدارة حياتها الزوجية، لا أن تتلقى الوصفات من فلانة وفلانة!!
إنه يمنعها من زيارة أهلها لتحقيق مصلحتها ومصلحته؛ إذ إنها لم يحدث أن ذهبت إليهم إلاّ وعادت بوجه غير الذي ذهبت إليه، تريد أن تفرض عليه أنموذجهم في الحياة، ذلك الأنموذج الذي يعني التخلي عن مسؤولية الحياة والانشغال بالتوافه، وهذا ما يرضاه لأسرته أبداً.
